سورة الانفطار - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانفطار)


        


{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
{إِذَا السمآء انفطرت} انشقت {وَإِذَا الكواكب انتثرت} تساقطت {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} أي فجر بعضها في بعض عدنها في ملحها وملحها في عدنها فصارت بحراً واحداً، وقال الحسن: ذهب ماؤها، وقال الكلبي: مليت.
{وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} بحثت ونثرت وأثيرت فاستخرج ما في الأرض من الكنوز ومن فيها من الموتى أحياء، يقال: بعثرت الحوض وبحثرته إذا هدمته فجعلت أسفله أعلاه، وهذا من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضّتها وأموالها {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ} من عمل صالح أو طالح.
{وَأَخَّرَتْ} من سنّة حسنة أو سيئة، وقال عكرمة: ما قدّمت من الفرائض التي أدّتها واخّرت من الفرائض التي ضيّعتها، وقيل: ما قدمت من الأعمال وأخّرت من المظالم، وقيل: ما قدّمت من الصدقات وأخرّت من التركات، وقيل ما قدّمت من الاسقاط والإفراط وما أخرت من الأولاد وهذا جواب إذا.
{ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم}.
أخبرنا عبد الله الفتحوي قال: حدّثنا أبو علي المقريء قال: حدّثنا أبو القاسم ابن الفضل المقريء قال: حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا المقدّمي وعلي بن هاشم قالا: حدّثنا كثير بن هشام قال: حدّثنا جعفر بن برقان قال: حدّثني صالح بن مسمار قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} قال: جهله، وقال قتادة: غرّة شيطانه عدوه المسّلط عليه.
وحدّثني الحسن بن محمد بن الحسن قال: حدّثني أبي عن جدّي عن علي بن الحسن الهلالي عن إبراهيم بن الأشعث قال: قيل للفضّيل بن عياض: لو أقامك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بين يديه فقال: ما غرّك بربّك الكريم ماذا كنت تقول؟ قال: أقول غرني ستورك المرخاة، نظمه محمد ابن السماك فقال:
يا كاتم الذنب أما تستحي *** الله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربّك إمهاله *** وستره طول مساويكا
وقال: مقاتل: غرّه عفو الله حين لم يعجّل عليه بالعقوبة، وتلا نصر بن مغلس هذه الآية فقال: غرّه رفق الله به.
وسمعت أبا القاسم الحلبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن محمد الورّاق يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لو أقامني الله سبحانه بين يديه فقال: ما غرّك بي؟ قلت: غرّني بك برّك بي سابقاً وآنفاً.
وسمعته يقول: أخبرنا عبد الله بن محمد بن صالح المغافري يقول: سمعت حماد بن بكر يحكي عن بعضهم أنه قال: لو سألني عن هذا ربي لقلت: غرّني حلمك، وسمعته يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن يزيد النسقي يقول: سمعت أبا عبد الله حسن أبي بكر الورّاق يقول: سمعت أبا بكر الورّاق يقول: لو قال لي ما غرّك بربّك الكريم لقلت: غرّني كرم الكريم.
قال أهل الإشارة: إنّما قال: {بِرَبِّكَ الكريم} دون سائر أسمائه وصفاته؛ لأنه كان لفتة الإجابة حتى يقول: غرّني كرم الكريم، قال منصور بن عمار لو قيل: ما غرّك بي؟ قلت: يا رب ما غرّني إلاّ ما علمته من فضلك على عبادك وصفحك عنهم، وروى أبو وائل عن ابن مسعود قال: ما منكم من أحد إلاّ سيخلو الله سبحانه وتعالى به يوم القيامة فيقول: يابن آدم ما غرّك بي يابن آدم ماذا عملت فيما علمت يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟
وسمعت أبا القاسم النيسابوري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبيد الله الشامي وأبا الحسن محمد بن الحسين القاضي الجرجاني يقولان: سمعنا إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر.
وأنشدني الحسن بن جعفر البابي يقول: أنشدني منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول: أنشدنا أبو بكر بن طاهر الأبهري في هذا المعنى:
يا من غلا في الغنى والتيه *** وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته *** ولم تخف غبّ معاصيه
{الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} قرأ أهل الكوفة بتخفيف الدال أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء قبيحاً أو جميلا وقصيراً أو طويلا، وقرأ الباقون بالتشديد أي قوّمك وجعلك معتدل الخلق، وهو اختيار الفراء وأبي عبيد لقوله سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
{في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} قال مجاهد: في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم.
وأنبأني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن العسكري قال: حدّثنا عبد الرحمن بن محمّد بن منصور قال: حدّثنا مطهر بن الهيثم قال: حدّثنا موسى بن علي عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ولد لك» قال: يا رسول الله وما عسى أن يولد لي إمّا غلام وإما جارية. قال صلى الله عليه وسلم: «من شبه» قال: فمن شبه إمه وأباه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل هكذا إنّ النطفة إذا أستقرت في الرحم أحضر الله كلّ نسب بينهم وبين آدم، أما قرأت هذه الآية {في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ}» قال صلى الله عليه وسلم: «إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة حمار وإن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة كلب وإن شاء في صورة خنزير».


{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
{كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} قراءة العامة بالتاء لقوله سبحانه {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ} وقراءة أبو جعفر بالياء {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} رقباء يحفظون عليكم أعمالكم.
{كِرَاماً} على الله {كَاتِبِينَ} يكتبون أقوالكم وأفعالكم.
{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الأبرار} يعني الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله وإجتناب معاصيه، وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى العدل قال: حدّثنا علي المؤمل قال: حدّثنا أحمد بن عثمان قال: حدّثنا هشام بن عامر قال: حدّثنا سعد بن يحيى بن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما سماهم الله الأبرار لأنّهم برّوا الأباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق».
{لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها {يَوْمَ الدين} يوم القيامة {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} قراءة أهل مكّة والبصرة برفع الميم ردّاً على اليوم الأول، وقراءة غيرهم بالنصب أي في يوم، واختاره أبو عبيد قال: لأنها اضافة غير محضة {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}.